Sunday, September 7, 2008




للشاعر الإنجليزي روديارد كبلنج





لقد خبرنا الحرب مع رجال عديدين عبر بحار ممتدة

كان بعضهم شجعانا بواسل وكان بعضهم غير ذلك

منهم البايثان والزولو والبورميون

غير أن البجا كانوا أكثرهم روعة

لم نجد منفذا لاختراق صفوفهم أبدا

بينما ظلوا يرمون خيلنا ويمزقون حراسنا في سواكن

وكأنهم يلاعبون جندنا لعبة القطط الموسيقية

********

إنني أهدي إليكم أيها " البجاويون " هذه الكلمات المخلصة

تقديرا لكم في وطنكم السودان

إنكم وان كنتم (متخلفين)

غير أنكم ترتقون أعلى مرتبة يكون عليها المحاربون

إننا نصدر لكم هذه البراءة شهادة حق وصدق

وان رغبتم في أن تكون ممهورة بالتوقيع

فنحن يشرفنا اللقاء بكم في الزمن الذي يروق لكم

****************

قد عرفنا مفارقات ساحات الوغى في حربنا مع الكيبر

وتصدينا لسهام البوير الطائشة عبر المسافات

وارتعشنا عند ملاقاة البورميين

ولمسنا المهارة المتميزة التي يحارب بها الزولو

غير أن كل هذا لم يكن سوى جعجعة ليست بذات أثر

أمام إقدام وجسارة البجا


*************

لقد أشادت الصحف بتماسكنا

غير أن الحقيقة تظل دوماً باقية وناصعة

وهي أنه في حرب الرجال للرجال

قام البجا بدحرنا تماماً


*************

لكم أيها البجاويون ولأزواجكم وأبنائكم

نعترف بأن التوجيهات كانت أن نقهركم

ولقد تحقق ذلك بفضل بنادق المارتيني

التي ظلت فوهاتها تقذف بالشرر نحو صدوركم

في معركة غير متكافئة وغير عادلة

لكنكم رغم ذلك تمكنتم من اقتحام الصفوف


*************

لم تحملوا أوراق هوية

ولم تزين صدوركم الأوسمة والنياشين

وهذا يلقي علينا واجب أن نقوم نحن بالشهادة على البسالة

وعلى براعة الحرب بالمهند ذي المقبضين

وأنتم تصولون وتجولون وسط الأحراش

حاملين رماحكم ودروعكم وأكفانكم


**************

حقاً أن يوماً في المعركة مع البجا

تظل سعادته باقية لعام


*************

أيها البجاويون

هذه القصيدة مهداة لكم ولمن رحل من أصدقائكم

وإن لم نكن نحن أيضاً قد فقدنا رفاقاً

لعاوناكم على التأسي

غير أن الحرب كر وفر

سجال بين الأخذ والعطاء


*************

كانت معركة متوازنة

فقدكم كان هو الأكبر

غير أنكم نجحتم في بعثرة صفوفنا


*************

هم هبوا نحو اللهيب المستعر والدخان المتصاعد

وقبل ارتداد الطرف حلوا أمام وجوهنا

تنفذ منهم رائحة التراب والزنجبيل

وبدت أجساد قتلاهم

مثل الزهور البرية

وبدت كالبط وكالحملان ومثل عرائس المولد


***********

لكم أيها البجاويون في وطنكم السودان

لكم أيها (المتخلفون) الذين تبوءوا أرقى مراتب المحاربين

لكم أيها البجاويون يا أصحاب الهامات الشامخة

لكم أيها الفقراء السود يا ذوي العزائم العالية

يا من نجحتم في كسر صفوف كتيبة بريطانية

أهدي هذه القصيدة .


**********************


عن الشاعر والقصيدة


هذه قصيدة تاريخية كتبها قبل أكثر من مائة عام الروائي والشاعر الإنجليزي والحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1907 روديارد كيبلنج (1865- 1936) .

وكيبلنج هو شاعر الإمبراطورية البريطانية الذي تغنى بانتصاراتها وهي في أوج مجدها الفيكتوري . غير أنه في هذه القصيدة يعبر عن إقدام وبسالة الجنود السودانيين ، أبطال معارك الشرق بقيادة الأمير عثمان دقنة وقد بهرته شجاعتهم التي ليس لها مثيل وإجادتهم لفنون الحرب ونجاحهم في كسر صفوف الكتيبة البريطانية . وبرغم ما في القصيدة من تعالي إمبريالي إلا أنها تظل " شهادة حق وصدق " - والفضل ما شهدت به الأعداء - . وهي توثيق لصفحة من سجل الوطنية والجندية السودانية في الذود عن تراب الوطن .

كذلك تشهد القصيدة على نماذج رائعة من الوطنية والتضحية والفداء يحق لأجيالنا المعاصرة أن تفخر بها، وتستمد منها العزيمة على بناء مستقبل زاهر للوطن .


مسقط يناير 1995 عبد المنعم خليفة خوجلي


____________________


* " فزي وزي " تعبير استخدمه الأوروبيون للإشارة إلى السودانيين من قبيلة "البجا " في شرق السودان . وربما يكون المعنى الحرفي له هو: ذوو الشعر المتجعد الكثيف .


1



No comments: