Sunday, April 5, 2009

المتطرفون السودانيون.. سابقا

على من يقول إنه اعتدل أن يدفع ثمن أخطائه

طارق الحميد

tariq@asharqalawsat.com

يبدو أن الحكومة السودانية، أو بعضا من أعضائها، قد هبطوا إلى الأرض مؤخرا، بعد أن أدركوا خطورة وضعهم، وخطورة المستقبل الذي ينتظر السودان وأهله على خلفية مذكرة إيقاف البشير.

المصادر المصرية تقول إن مسؤولا سودانيا رفيع المستوى قال لنظيره المصري حين زيارة الأخير إلى الخرطوم «كنا متطرفين والأمور تسير، فلماذا تتعقد الأمور حين يصبح نظام الحكم معتدلا؟».

وهذا منطق مختلف تماما عن منطق الشتائم، والتلويح باستخدام العصي والأحذية، ناهيك عن التصريحات المسيئة للمواطن السوداني نفسه، ولا يهم إن كانت تلك التصريحات الهادئة خلف الأبواب المغلقة.

فقد يكون السبب في الحديث الهادئ خلف الأبواب المغلقة هو الرغبة في عدم الظهور بمظهر الضعف أمام الرأي العام السوداني، وإن كانت التصريحات الصادرة من الخرطوم سابقا توحي بربكة، وهذا أمر لا يقل خطورة عن الضعف.

سؤال المسؤول السوداني عن الاعتدال بعد التطرف، يعني أنه عندما احتضن النظام السوداني «القاعدة» ورموزها، ووقف مع غزو صدام حسين للكويت، كان من المبرر أن يتعرض للعقوبات، لكن لماذا يعاقب اليوم وقد ابتعد عن كل ذلك؟

هكذا يبدو منطق السؤال، وإن كان في سؤال المسؤول السوداني اعتراف يناقض كثيرا من تصريحات «الإنقاذ» عن دورهم الإيجابي في السودان، فها هم يعترفون بأنهم كانوا متطرفين!

لكن هل اعتدال الحكومة خارجيا يعفيها مما تفعله داخليا، حتى وإن نتج عنه قتل وتعذيب وتهجير، لأسباب مختلفة، بمعنى أن أعتدل خارجيا، وتلزمون الصمت حيال ما أفعله داخليا؟

وهنا السؤال: ماذا عن الضحايا، وماذا عن الظلم والقتل والتهجير؟ هل يذهب كل ذلك في تسوية بسيطة، أم لا بد أن يدفع أحد الثمن، ليس من أجل الانتقام، فالعدالة ليست انتقاما، بل من أجل ضمان عدم تكرار ما حدث!

حيث سئمنا في منطقتنا الاغتيالات، والتصفيات الجسدية، وزج الناس في السجون، وقمع الحريات، والاعتداء على الأبرياء تحت أي مبرر. سئنما الظلم، والتهجير، فقط انظروا للعراق والسودان، وغيرهما من دولنا، ناهيك عن ما تفعله إسرائيل في منطقتنا. كما سئمنا أن يعيش المظلوم غبنا، ويعيش الظالم رفاهية وأمنا.

هذا ليس كلاما عاطفيا، بل هذه الحقيقة، فدور الحاكم، والحكومة، هو توفير الأمن والحياة الكريمة للناس، وهي أمور محسومة، من تعليم وأمن ووظائف ورعاية صحية، فدور الحكومات ليس حمل العصا لمن عصا، كما يقال، فقد قتل منا نحن العرب بسبب أخطائنا، وتفشي القمع والديكتاتورية أكثر مما قتل لنا الأعداء.

وعليه فإذا أراد المتطرف ـ وليس الثائر ـ أن يعود إلى رشده، حكومة أو أفرادا، فلا بد أن يدفع ثمنا، والأمر نفسه لمن أراد أن يستمر في غيه، فلا بد أن يدفع ثمنا أيضا، باسم العدالة، ودفاعا عن النفس التي كرمها الله.

فعلى من يقول إنه اعتدل أن يدفع ثمن أخطائه السابقة، بدلا من القول عفا الله عما سلف