Friday, December 5, 2008


ارسل الموضوع لصديق
نسخة سهلة الطبع

مـجلس الـوزراء ببورتسـودان.. اجتمأع ام ســياحة؟!

جـاؤوا غـرباء ..وذهـبوا غــرباء كما جــاؤوا...

د.ابومحـــمد أبوامـــنة

أجتمع مجلس وزراء سلطة الخرطوم ببورتسودان الاسبوع الماضي, بعد تحضير اعلامي ضخم سبق هذه الاجتماع بعدة اشهر وتابعه هناك مداولاته هناك وعكسها علي نطاق واسع, كانما كان ذلك حدث تاريخي يفرح له اهل الشرق ويطربون ويرقضون.

لكنهم جاؤوا كغرباء ..وذهبوا كما جاؤوا.. جياع الشرق لم يشعروا بهم.ـ

نسوا ان الراعي مسئول عن رعيته وان فرض نفسه عليها فرضا. علي الرعي ان يذهب ويري ويتحسس الامهم واوجاعهم وان ذهب متسترا. الا ان مسئولي الخرطوم نظموا الضجة الاعلامية الضخمة لهذا الاجتماع. مما كشف نيتهم لتلميع انفسهم وانجازاتهم الوهمية اكثر من اهتمامهم بانسان الشرق الجائع, المشرد, المضطهد, المهضوم الحقوق.

حضروا لبورتسودان بطائرات سيادية, من المطار الي الفندق استقلوا العربات الفخمة المكندشة المظللة الي الفندق ذي الخمسة نجوم, الذي تتوفر فيه كل سبل الراحة وما لذ وطاب من الاكلات ذات الخمسة نجوم من فرائط السمك الناجل والشيات واللحوم الدسمة والعنب والتفاح والايسكريمات.تلو الوجبة وجبة اخري باسرع ما يكون, بذلك امتلأت الكروش علي مدار الساعة.

فبينما هم في مداولاتهم فيما بينهم تائهون, وفي التهام الدسمات منغمسون, وفيها يتبارون, وحتي التخمة يلتهمون, وفي الكندشن ينامون, يتضاحكون ويتلاطفون, والتلفزة علي الاقمار الصناعية يتفرجون, كان اوشيك في الاصقاع يفترش الارض ويلتحف السماء والمصارين تكركر من الجوع, والرئة تلفظ الصديد والدم, والاسهال المخاطي لا يفارقه والعيون لا تري يعد غياب الشمس, والجلد صار تقرحات يغطيها الصديد والدم من كثرة الحك من الباعوض, وما ان ينجلي الليل الا و ينقض عليه الضبان, الذي يفترس افرازات اوشيك ويهجم علي عيونه دون رحمة, البعوض والذباب يتبادلون فيه الورديات. اوشيك طرد من العمل بهيئة الموانيء مع عشرات الالاف غيره.

هل تناول مجلس الوزراء معاناة اوشيك في اجتماعه ذلك؟ هل كانت له اي اهتمامات بذلك؟ عندما كان الوزراء يلتهمون الملذات هل كانوا يتذكرون الصديد الذي يتدفق من صدر اوشيك؟ والاسهال المخاطي؟ الناموس والذباب وانهيار صحة البيئة؟ والعطالة التي طالت كل الاسر؟

وفي فرحتهم بالكرانيش وبعواميد دون كهرباء وبالزفت هل خطر ببالهم بان المجاعة ضربت باطنابها وتفتك بالبجا فتكا؟ هل تفاكروا ان للشرق اولويات غير هذه؟ بينما هم للتطبيل والهتاف في طربهم مستمخون هل سمعوا بالصرخات الداوية التي اطلقها شباب الشرق في بياناتهم لانقاذ البجا من الكارثة الماحقة؟

ان الانقاذ تفتخر باجتماع وزرائها في بورتسودان وتعده انجازا في حد ذاته. ولكن من الغريب انه اثناء الحكم الاستعماري ان المفتش الانجليزي المسئول عن المتطقة كان يطوف بشكل منتظم راكبا الجمل علي منطقته قرية قرية, يبيت مع سكانها, يأكل ويشرب ما ياكلون ويشربون, يتحدث ويتسامر معهم بلغتهم, واذا أقدموا علي الرياضة لبس الشورت وتنافس فيها كواحد منهم. لم يكن بينهم حجاب.

ليت كاتبنا الرائع شوقي بدري يلقي بعض الضوء علي اداء الاداريين, انجليز وسودانيين, في تلك الحقبة.

الضابط المصري صلاح سالم, عضو مجلس قيادة الثورة في مصر وواحد من ابرز قادتها, والمسئول عن ملف السودان, عندما زار الجنوب قبيل الاستقلال خلع جميع ملابسه وجلس علي السليقة مع الجنوبيين ليشعرهم بانه واجد منهم. ـ

اين نحن من هذا؟

الوفد الحكومي ضرب سياجا حديديا حول نفسه, حتي المرافقين من الكتاب والاعلاميين لم يسمح لهم بالاتصال بالسكان العاديين, الصحفيون حجبوا عنهم المعلومات. مسكين الاستاذ نورالدين مدني, الذي أمل ان يري أهله في بورتسودان, فمنع! تصوروا! انها الدكتاتورية بعينها.

لم يدع كاتبنا الماهر هذا الحدث يمر دون تعليق, فكتب يقول:

نأخذ عليهم عدم اعطائنا برنامج الزيارة ولا تقارير الاداء بالولايات .

* ـ مراسم وحدة السدود لا تكتفي بإعطائنا البرنامج والاوراق المكتوبة .

* ـ عدم البطاقة المميزة للضيوف ادخلتني في تجربة صعبة مع افراد الحرس والامن الذين بعد ان اخذت الاذن عند الخروج لزيارة شقيقي فنان الشرق التشكيلي الاشهر ابو الحسن وأسرته وبقية العائلة، فوجئت بالحرس الخارجي يمنعني!

حتي بطاقته الشخصية أوحتى الصحيفة لم تخارجه.

ّذهب الاستاذ نورالدين في قفص وعاد كما كان. لم ير الاهل والاشقاء والاصدقاء. لو كان هذا التضييق والتهميش وجحب الحقائق يطال صحفيين مرموقين, فما بالك بانسان الشرق البائس؟

ان زيارة الوزراء للشرق جاءت كجولة سياحية اكثر منها تفقدية.

في تلك اللوكاندة لم يشعروا بقرصات البعوض وبمضايقات الذباب.ولم يتعذبوا لقطوعات التيار الكهربائي ولم يتذوقوا ماء اربعات علي السليقة.

ضربوا حولهم سياجا حديديا ومنعوا وامتنعوا عن الاتصال بالجماهير, لم يشاهدوا غير تصفيق وهتافات باهتة هنا وهناك مدفوعة الاجرـ

وللمقارنة:

لقد كان المفتش الانجليزي ينام وياكل ويتسامر مع الاهالي في اقصي البقاع دون حرس ـ فلماذا لا يقتدون بهم؟ كان الاولي بهم الذهاب الي المناطق الاكثر تهميشا ومعاناة والمنسية والمشطوبة من ذاكرة السلطة, لقرورة وعقيتاي ودولابياي في الجنوب الشرقي, وحلايب ودنقناب وسلالي اسير في الشمال, واودروس وخور عرب وتهميام ودروديب في الجنوب.

انهم لا يعيرون لذلك ادني اهتمام, معاناة انسان الشرق او فنائه لا تعني بالنسبة لهم شيئا, طالما استنفاذ موارده يتواصل بشكل منتظم.

فوق ذلك هم يخشون الجماهير, والمواجهة والمكاشفة.

لكن دولة الظلم والطغيان والاستعباد ومص الدماء لاشك ستنهاريوما, نراه قريبا ويرونه بعيدا.

No comments: