Sunday, November 23, 2008

نبض الأشياء

عبقرية المرأة السودانية!

صلاح الدين مصطفي
كُتب في: 2008-11-23


salahaddin_mustafa@hotmial.com


تلاحظ في السنوات الأخيرة ان الرجال تركوا أمر شراء الخضار واحتياجات (حلة الملاح) للنساء، وانتهت حقبة الأفندي الذي يخرج من مكتبه في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر ويغشى السوق ليتزود بلحمة الضأن والسلطة الخضراء والفاكهة.
ظلت المرأة السودانية تتحمل تبعات الغلاء الفاحش والمتوحش والذي ظل ينشب أنيابه في جيوب الغلابة من العمال والموظفين في الأرض، منذ ان أعلنت الإنقاذ سياسة التحرير، وقامت بتحرير الأسعار من قبضة التحديد والدعم الحكومي لتترك الناس (عرايا) أمام تماسيح السوق.
وفي ظل الفقر الشديد الذي تعاني منه الغالبية العظمى من الشعب السوداني، تتصرف ربات البيوت بطريقة (الحواة) والسحرة، حيث يترك أرباب البيوت لهن فتاتاً من المال كل صباح وأحياناً لا يتركون شيئاً.
ولعل واقع الحال ينطبق تماماً على أغنية (حاجة آمنة) التي صاغها شعراً عبد الوهاب هلاوي وتؤديها فرقة عقد الجلاد برؤية درامية مؤثرة (فتشي جاي.. فتشي جاي كان تلقي شئ.. حبة عدس ما بسوي شئ.. ما بسوي شئ).. وهي في قمة هذا البحث، عليها كذلك ان (تتخارج) من الذين يطرقون الأبواب صباحاً لتحصيل رسوم النفايات والمياه والعوائد والهواء الطلق.
تذهب المرأة يومياً إلى سوق الخضار وتمارس لعبة شطرنج خطرة وهي بين مطرقة مصاريف (ممحوقة) وأسعار (مطلوقة)، وتنجح في الغالب.. في هذه المعادلة الصعبة، وتتحمل في سبيل ذلك العديد من الضغوط النفسية والجسدية وتستخدم فقه البدائل بصورة يحسدها عليها الشيخ الترابي نفسه.
والسيد وزير المالية لا يلتفت لهذه العبقرية وهو يضع (السمات العامة) لميزانية كل عام، ولا يتعلم منها (طريقة الطواقي) والاستغلال الأمثل (للبواقي)، فتأتي الميزانية العامة للدولة في كل عام لتزيد أعباء المرأة السودانية وتجبرها على استنباط حلول (مدهشة) من أجل استمرارية الحياة.
لكن هذه الحلول تكون – في الغالب الأعم- على حساب أشياء كثيرة مهمة وعلى رأسها الجودة (في حالة الفقر تسقط كل المفاهيم)، والناحية الصحية والقيمة الغذائية والروح المعنوية، وعلى حساب العلاج والدواء لذلك فإن البنية التحتية لأجيال ما بعد الإنقاذ هشة (شكلاً ومضموناً)!.
وما كنا نشاهده في المسلسلات المصرية أصبح واقعاً معاشاً بالصورة والكربون، وأصبح الشعب السوداني بأكمله يركض نحو توفير (حلة الملاح) وإذا استمر الحال على هذا المنوال، فيجب ألا نتوقع أي تقدم في كافة مجالات الحياة، فغاية الأحلام – الآن- هي الحصول على الحد الأدنى من الطعام!!.

No comments: